هل الصدمة تنتهي بانتهاء الحدث؟

هل الصدمة تنتهي بانتهاء الحدث؟

هل الصدمة تنتهي بانتهاء الحدث؟

في لحظة واحدة، قد ينهار العالم من حولنا: حادث مفاجئ، فقدان شخص عزيز، خيانة، اعتداء، أو حتى مشاهدة مشهد عنيف. هذه المواقف التي تُصيبنا بالذهول والانهيار تُعرف نفسيًا بـ”الصدمة”. كثيرون يعتقدون أن الصدمات تنتهي بمجرد انتهاء الحدث أو تجاوز الموقف، لكن الحقيقة أن الأثر قد يستمر طويلًا، وقد يترك جرحًا داخليًا خفيًا لا يُرى بالعين المجردة. هذا المقال يُجيب بوضوح عن سؤال: هل الصدمة تنتهي بانتهاء الحدث؟ ويوضح لماذا تستمر آثارها النفسية، وكيف نتعامل معها بشكل صحي.

تواصل معنا


ما المقصود بالصدمة النفسية؟

هي استجابة عقلية وعاطفية قوية تجاه حدث مروع أو مرعب أو مفاجئ، يشعر فيه الإنسان بأنه مهدد أو عاجز. هذا الحدث قد يكون شخصيًا مثل التعرض لحادث أو اعتداء، أو غير مباشر مثل مشاهدة حدث صادم أو سماع خبر مأساوي.

الصدمة لا تتعلق فقط بشدة الحدث، بل بكيفية استجابة الشخص له. فهناك من يتجاوز بسرعة، وهناك من يظل عالقًا في التجربة لسنوات.


هل تنتهي الصدمة بانتهاء الحدث؟

الإجابة ببساطة: لا. فالصدمات لا تنتهي بانتهاء مصدرها، بل قد تبدأ فعليًا بعد أن ينتهي الحدث الخارجي.

لماذا؟

  1. العقل يعيد تشغيل الحدث مرارًا
    حتى بعد مرور الخطر، يبقى العقل يعيد تذكّر ما حدث، سواء في الأحلام (كوابيس)، أو خلال اليقظة (ذكريات متكررة ومؤلمة).
  2. الجسم يحتفظ بالإحساس بالخطر
    حتى وإن انتهى الخطر، يبقى الجسم في حالة “تأهّب”، فيشعر المريض بالتوتر، القلق، سرعة ضربات القلب، كأن الخطر لا يزال قائمًا.
  3. فقدان الشعور بالأمان
    الحدث الصادم يكسر شعور الإنسان بالسيطرة والأمان، ويجعل العالم يبدو مكانًا خطيرًا وغير متوقع، ما يجعل المريض دائم التوجس حتى بعد انتهاء الخطر.

تواصل معنا


مظاهر استمرار الصدمة بعد الحدث

حتى بعد مرور أسابيع أو شهور، قد تظهر على الشخص مجموعة من الأعراض تدل على أن الصدمة ما زالت قائمة، مثل:

  • القلق الدائم والخوف من المجهول
  • تجنّب الأماكن أو الأشخاص المرتبطين بالحادث
  • تقلبات مزاجية شديدة
  • نوبات غضب أو انهيار دون سبب ظاهر
  • الأرق أو النوم المتقطع
  • شعور باللامبالاة أو الانفصال عن الذات

وفي بعض الحالات، تتطور هذه الأعراض إلى اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، وهو حالة نفسية تستدعي تدخلًا علاجيًا متخصصًا.


العوامل التي تحدد استمرار الصدمة

ليست كل الصدمات متساوية، وهناك عدة عوامل تؤثر في استمرار آثار الصدمة، منها:

  • طبيعة الحدث: كلما كان الحدث أعنف أو أكثر تهديدًا للحياة، طالت آثار الصدمة.
  • المدة الزمنية للحدث: الصدمات المتكررة أو الممتدة زمنيًا (مثل العنف الأسري) تترك أثرًا أعمق.
  • الدعم النفسي بعد الحدث: الأشخاص الذين يتلقون دعمًا مباشرًا بعد الصدمة يتعافون بشكل أسرع.
  • التاريخ النفسي للشخص: من لديهم تجارب صعبة سابقة قد يكونون أكثر عرضة لاستمرار الأعراض.

تواصل معنا


هل هناك علاج للصدمة النفسية؟

نعم، الصدمات النفسية يمكن تجاوزها، ولكنها تحتاج إلى وقت وعلاج مناسب. من أهم طرق العلاج:

1. العلاج السلوكي المعرفي (CBT)

يساعد المريض على فهم أفكاره وردود أفعاله، وتغييرها بطريقة تُخفف القلق والخوف.

2. العلاج بالتعرض التدريجي

وفيه يتم تعريض المريض بشكل آمن للذكريات أو المواقف التي يتجنبها، تدريجيًا، حتى يتخلص من تأثيرها.

3. العلاج الجماعي أو الأسري

يُساهم في توفير الدعم العاطفي من الآخرين، وتجاوز الشعور بالوحدة.

4. الأدوية

في بعض الحالات، تُستخدم مضادات الاكتئاب أو القلق لمساعدة المريض على تجاوز الأعراض الحادة.


هل يمكن الشفاء تمامًا من آثار الصدمات؟

نعم، كثير من الناس يتعافون من الصدمة تمامًا، ويعودون لحياتهم الطبيعية. البعض قد يحتاج إلى أشهر، وآخرون إلى سنوات، لكن الشفاء ممكن بشرط الاعتراف بوجود المشكلة، وطلب المساعدة في الوقت المناسب.

التعافي لا يعني نسيان الحدث، بل التعايش معه دون أن يؤثر على الحياة اليومية.


 الألم النفسي لا يقاس بالزمن

الصدمة لا تنتهي بمجرد انتهاء الحدث. قد يزول الخطر، لكن تظل الذكرى حية، والمشاعر مرتبكة، والجسد في حالة استنفار. ولهذا، من الضروري أن نُعطي الصدمات النفسية نفس أهمية الجراح الجسدية، وأن نتوقف عن مطالبة المصاب “بنسيان ما حدث” كأن الأمر بهذه السهولة.

الشفاء يبدأ من الاعتراف، يمر عبر الدعم، وينتهي بالسلام الداخلي.

تواصل معنا

Call Now Button