ما هو مرض الوهم؟

ما هو مرض الوهم

ما هو مرض الوهم؟

ما هو مرض الوهم؟مرض الوهم هو أحد أشكال الاضطرابات الذهانية التي تتميز بوجود أفكار أو معتقدات خاطئة وثابتة، لا تتغير حتى في مواجهة الأدلة المناقضة لها. يعاني الشخص المصاب بهذا الاضطراب من صعوبة في التمييز بين الواقع والخيال، ويتمسك بقناعاته الوهمية بكل يقين،

على الرغم من عدم وجود أي إثبات منطقي أو مادي يدعمها.

يبدو الكثير من المصابين بمرض الوهم طبيعيين تمامًا في سلوكهم العام وحياتهم اليومية، ما يجعل تشخيصهم أمرًا صعبًا، خاصة في المراحل الأولى من المرض. لا يُظهر هؤلاء الأشخاص غالبًا أعراضًا واضحة كتلك الموجودة في الفصام أو بعض الذهانات الأخرى مثل الهلوسة،

اضطراب الكلام، أو السلوك الغريب، ما يجعل حالتهم تُصنّف أحيانًا على أنها “ذهان غير نمطي”.

رغم أن بعض المصابين يستطيعون ممارسة حياتهم بشكل مقبول، فإن استمرار الأوهام لفترات طويلة دون علاج قد يؤدي إلى مشكلات كبيرة مثل العزلة الاجتماعية، الفشل في العمل أو العلاقات، واضطرابات نفسية إضافية.


أنواع مرض الوهم

تتنوع الأوهام التي يعاني منها المصابون تبعًا لطبيعة الفكرة المسيطرة عليهم. وفيما يلي أبرز الأنواع المعروفة:

1. وهم العشق (Erotomania)

يؤمن المريض بأن شخصًا ما، غالبًا ذو مكانة مرموقة أو مشهور، مغرم به. هذا النوع من الأوهام قد يدفع المريض لمحاولة التواصل مع ذلك الشخص، بل وملاحقته أحيانًا.

2. وهم العظمة (Grandiose Delusion)

يتخيل الشخص أنه يتمتع بقدرات خارقة أو أنه ذو أهمية كبرى للعالم. يعتقد مثلًا أنه نبي، أو قائد عالمي، أو مخترع عظيم لم يُكتشف بعد.

3. وهم الغيرة (Jealous Delusion)

يسيطر على المريض اعتقاد راسخ بأن شريكه في العلاقة يخونه، رغم عدم وجود أي دليل يدعم ذلك. وقد يُفضي هذا النوع إلى نزاعات زوجية حادة، أو حتى العنف المنزلي.

4. وهم الاضطهاد (Persecutory Delusion)

يشعر المريض بأن هناك من يتجسس عليه، أو يخطط لإيذائه، أو يتآمر ضده. وهو النوع الأكثر شيوعًا، وقد يتسبب في سلوك دفاعي مفرط، بل وتقديم شكاوى رسمية ضد الآخرين دون سبب حقيقي.

5. الوهم الجسدي (Somatic Delusion)

يعتقد الشخص أنه يعاني من مرض عضوي خطير أو تشوه جسدي، على الرغم من سلامته الصحية. وقد يستهلك وقتًا وجهدًا كبيرين في البحث عن علاج لحالة غير موجودة.

6. الوهم المختلط (Mixed Delusion)

تجمع الحالة بين نوعين أو أكثر من الأوهام في وقت واحد، كأن يعتقد الشخص أنه مراقَب (وهم الاضطهاد) وأنه في ذات الوقت يتمتع بقدرات خاصة (وهم العظمة).


أسباب مرض الوهم

حتى الآن، لا يوجد سبب واضح ومحدد يؤدي إلى الإصابة بمرض الوهم، إلا أن الأطباء والباحثين يُرجّحون أن هناك مجموعة من العوامل المعقدة التي تلعب دورًا في نشوء المرض، وأبرزها:

1. العوامل الوراثية

الأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي من الاضطرابات النفسية، مثل الفصام أو اضطرابات الذهان، يكونون أكثر عرضة للإصابة بمرض الوهم، ما يشير إلى وجود عامل وراثي محتمل.

2. العوامل النفسية والاجتماعية

الظروف البيئية والنفسية الصعبة، مثل فقدان شخص عزيز، العيش في عزلة اجتماعية، التعرض للإيذاء النفسي أو الجسدي، أو الضغوط المستمرة، قد تخلق بيئة خصبة لنمو الأفكار الوهمية.

3. العوامل البيولوجية

تشير دراسات تصوير الدماغ إلى أن هناك اضطرابات في مناطق محددة من الدماغ لدى بعض المصابين، خاصة في المناطق المسؤولة عن التفكير المنطقي والحكم على الأمور، مثل الفص الجبهي.

4. تأثير المواد المخدرة

إدمان المخدرات أو الكحول يمكن أن يساهم في ظهور الأوهام أو يزيد من حدتها، كما أنه قد يؤدي إلى تلف بعض المناطق الدماغية المرتبطة بالإدراك والتمييز.


تشخيص مرض الوهم

يُعد التشخيص تحديًا بسبب طبيعة المرض، إذ أن المريض لا يعترف عادةً بأنه يعاني من مشكلة نفسية. ويعتمد التشخيص غالبًا على:

  • المقابلات السريرية المتعمقة مع المريض وأفراد أسرته.
  • استبعاد الأسباب العضوية أو العصبية مثل أورام الدماغ أو الصرع.
  • تطبيق معايير DSM-5، التي تشترط وجود أوهام لمدة لا تقل عن شهر، دون أن تظهر أعراض الفصام الأخرى مثل الهلوسة أو تدهور التفكير.

علاج مرض الوهم

علاج مرض الوهم يتطلب خطة متعددة الجوانب، تهدف إلى تقليل شدة الأعراض، وتحسين جودة حياة المريض، وتمكينه من التعايش مع حالته. ومن أبرز طرق العلاج:

1. العلاج الدوائي

تُستخدم مضادات الذهان مثل (Risperidone، Olanzapine، Aripiprazole) لتقليل الأوهام والسيطرة على السلوك المرتبط بها. في بعض الحالات، قد تُستخدم مضادات القلق أو مضادات الاكتئاب عند وجود أعراض مرافقة.

2. العلاج النفسي

يُعتبر العلاج السلوكي المعرفي (CBT) من أنجح الأساليب، حيث يعمل على:

  • إعادة هيكلة التفكير الخاطئ.
  • تحسين القدرة على التفرقة بين الواقع والوهم.
  • تعليم المريض مهارات للتعامل مع التوتر والأفكار السلبية.

3. التوعية والدعم الأسري

من الضروري أن يفهم أفراد الأسرة طبيعة المرض، وأن يدعموا المريض دون الدخول في نقاشات مباشرة حول صحة أو خطأ أوهامه، مع التركيز على الحفاظ على الهدوء والاحتواء.

4. العلاج داخل مستشفى

قد يكون ضروريًا في الحالات الشديدة، خصوصًا عندما يُشكّل المريض خطرًا على نفسه أو على الآخرين، أو إذا كان رافضًا للعلاج بشكل قاطع.


هل يمكن الشفاء من مرض الوهم؟

رغم أن مرض الوهم يُصنّف ضمن الاضطرابات المزمنة، إلا أن التحسن ممكن إذا تم التدخل المبكر، مع الالتزام بالعلاج والدعم المناسب.

نسبة الشفاء التام قد تكون منخفضة، لكن الكثير من المرضى يستطيعون أن يعيشوا حياة مستقرة نسبيًا مع تقليل تأثير المرض على سلوكهم ووظائفهم اليومية.

الهدف من العلاج لا يكون دائمًا “إزالة” الأوهام بشكل كامل، بل تقليل أثرها، وتعزيز وعي المريض بها، وتطوير استراتيجيات للتعامل معها دون أن تؤثر على جودة حياته.


الخلاصة

مرض الوهم هو اضطراب نفسي معقد يتطلب فهمًا عميقًا وتدخلاً علاجيًا متخصصًا.

ما يميزه عن غيره من الأمراض النفسية هو أن المصاب به قد يبدو سليمًا تمامًا في كثير من جوانب حياته، بينما يعيش في داخله صراعًا مع أفكار غير واقعية تسيطر على وعيه وسلوكياته.

إن التحدي الأكبر في هذا الاضطراب هو إقناع المريض بوجود مشكلة، وهو ما يجعل دور الأسرة والأصدقاء والطبيب النفسي محوريًا في رحلة العلاج.

وبينما لا توجد ضمانات للشفاء التام، فإن التشخيص المبكر، والدعم المستمر، والالتزام بالخطة العلاجية يمكن أن يفتح أبواب الأمل أمام المرضى لحياة أكثر توازنًا واستقرارًا.


تواصل معنا


Call Now Button