اضطراب الشخصية الهستيرية

اضطراب الشخصية الهستيرية

اضطراب الشخصية الهستيرية

في عالم مليء بالتعقيدات النفسية، يبرز اضطراب الشخصية الهستيرية كأحد أكثر الاضطرابات إثارة للجدل وسوء الفهم. ليس لأنه نادر، بل لأنه غالبًا ما يُساء تفسيره؛ فالكثيرون يرون المصاب به مجرد شخص درامي أو محب للفت الانتباه، دون وعي بأن ما يعانيه يتجاوز ذلك بكثير.

اضطراب الشخصية الهستيرية ليس مجرد سلوك مسرحي، بل اضطراب نفسي عميق الجذور، يؤثر في طريقة تفكير الفرد، مشاعره، تفاعله مع الآخرين، ونظرته لنفسه. في هذا المقال، سنغوص في عالم هذه الشخصية، لنفهمها بعيون علمية وإنسانية، بعيدًا عن الأحكام المسبقة أو السخرية، وسنرشد القارئ إلى كيفية التعامل معها والتعاطف معها دون أن يقع فريسة التلاعب أو الفهم الخاطئ.

تواصل معنا


ما هو اضطراب الشخصية الهستيرية؟

تعريف نفسي وطبي للاضطراب

اضطراب الشخصية الهستيرية (Histrionic Personality Disorder – HPD) هو أحد اضطرابات الشخصية التي تندرج ضمن الفئة B في تصنيف الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5). يتميز هذا الاضطراب بنمط مستمر من السلوك العاطفي المبالغ فيه، والسعي اللاواعي لجذب الانتباه، سواء بالإغراء، أو الدراما، أو تقمص دور “الضحية”.

المصاب بهذا الاضطراب يعيش داخليًا مشاعر من الفراغ، وعدم الأمان، والحاجة المستمرة للتأكيد على قيمته من خلال ردود فعل الآخرين. فهو لا يشعر بذاته إلا من خلال نظرات الإعجاب، التصفيق، أو التقدير العاطفي من المحيطين به.

خلفية حول تصنيفه ضمن اضطرابات الشخصية

اضطرابات الشخصية عمومًا هي أنماط ثابتة وغير مرنة من التفكير والشعور والتصرف، تبدأ في سن البلوغ وتستمر مدى الحياة ما لم يتم التدخل النفسي. واضطراب الشخصية الهستيرية هو واحد من أربعة اضطرابات في “المجموعة B”، التي تضم أيضًا النرجسية، الحدية، والمعادية للمجتمع. وتُعرف هذه المجموعة بخصائصها “الدرامية والعاطفية والمبالغ فيها”.

الفرق هنا أن المصاب بالهستيرية يسعى لجذب الانتباه بأي وسيلة، ولو كانت على حساب سمعته أو كرامته أحيانًا، دون أن يكون واعيًا تمامًا لذلك.

تواصل معنا


كيف تبدو الشخصية الهستيرية في الحياة اليومية؟

أنماط التفكير والسلوك لدى المصابين

الشخصية الهستيرية في الحياة اليومية تميل إلى المبالغة في التعبير عن مشاعرها. قد ترى الشخص يضحك بصوت عالٍ أو يبكي فجأة في موقف لا يستدعي ذلك. يكون سريع التأثر، سهل الإقناع، ويبدل رأيه ومشاعره بسرعة مذهلة.

كما أن لغته الجسدية تكون درامية، حركية، وإيحائية. ملابسه قد تكون ملفتة أو كاشفة بشكل مبالغ فيه. في العمل، قد يحاول لفت نظر المدير من خلال التصرفات بدل الإنجاز، وفي العلاقات العاطفية، يعيش دائمًا في مسرحية لا تنتهي من الحب، الدراما، الغيرة، والانفصال.

هل هم ممثلون أم يعانون فعلًا؟

هنا يكمن الخلط. الكثيرون يرون أن المصاب بهذا الاضطراب “يمثل” أو “يدّعي”، لكن الحقيقة هي أنه يعاني من اضطراب داخلي حقيقي، يجعله غير قادر على التحكم في سلوكه التمثيلي أو استيعاب الأثر الذي يُحدثه في الآخرين.

هو لا يقصد خداعك، بل هو ضحية لطريقة تفكيره غير الواعية التي تربط حب الذات بحب الآخرين له. لذلك، حين يواجه تجاهلًا أو نقدًا، يشعر وكأن كيانه كله ينهار.

تواصل معنا


الفرق بين الشخصية الهستيرية والتمثيل أو النرجسية

مظاهر التشابه والاختلاف

يُخلط كثيرًا بين الهستيرية والنرجسية. صحيح أن كلتا الشخصيتين تحبان لفت الأنظار، لكن الفرق الجوهري يكمن في الدافع.

  • الهستيري يريد الاهتمام ليشعر بأنه محبوب.
  • النرجسي يريد الاهتمام لأنه يشعر بالتفوق على الآخرين.

أيضًا، النرجسي يُظهر برودًا عاطفيًا أحيانًا، بينما الهستيري غارق في المشاعر والانفعالات.

أما التمثيل، فهو سلوك واعٍ بغرض معين، بينما التصرفات الهستيرية غالبًا غير واعية.

تشخيص متخصص وتفريق علمي

التشخيص لا يمكن أن يتم بناء على ملاحظة سطحية أو حكم اجتماعي. الطبيب النفسي يستخدم مقابلات سريرية، واختبارات تقييم الشخصية، لتحديد إن كان الشخص يعاني من HPD أو من اضطراب آخر.

تواصل معنا


الأعراض النفسية والسلوكية للشخصية الهستيرية

الحاجة المستمرة لجذب الانتباه

إذا لم يكن الشخص الهستيري في مركز الاهتمام، يشعر بعدم الراحة. قد يتحدث بصوت عالٍ في التجمعات، يفتعل المواقف أو حتى يستخدم مشاكله الشخصية كوسيلة لجلب الأنظار.

الدرامية المفرطة والتقلبات العاطفية

مزاجه متقلب جدًا. من السعادة المطلقة إلى البكاء، من الضحك إلى الغضب. كل شيء يُضخَّم، حتى أبسط المشاعر تصبح “قصة درامية” لا تنتهي.

السطحية في التعبير والعلاقات

علاقاته غالبًا سطحية، لا تدوم طويلًا، لأنه يهتم بالشكل والانطباع أكثر من العمق. يتكلم كثيرًا دون مضمون واضح، ويميل للوعود الزائفة دون قصد سوء.

تواصل معنا

Call Now Button