متلازمة مارفان
في عالم الأمراض الوراثية النادرة، تبقى متلازمة مارفان واحدة من الحالات الأكثر دهشة، لما تسببه من تغيرات في المظهر الخارجي، وفي الوقت نفسه لما تحمله من مخاطر صحية على القلب والعينين والمفاصل. ما يميز هذه المتلازمة هو مزيجها الغريب من العلامات الجسدية الظاهرة والمضاعفات الخفية الخطيرة، وهو ما يجعل التشخيص المبكر والمتابعة الدقيقة أمرًا بالغ الأهمية.
في هذا المقال، سنغوص في تفاصيل متلازمة مارفان: من أسبابها وأعراضها، إلى تشخيصها وعلاجها، وصولاً إلى كيفية التعايش معها وتحقيق حياة طبيعية رغم التحديات.
تواصل معنا
ما هي متلازمة مارفان؟
التعريف الطبي للمتلازمة
متلازمة مارفان (Marfan Syndrome) هي اضطراب وراثي يؤثر على النسيج الضام في الجسم، وهو النسيج الذي يدعم الأعضاء والأوعية الدموية والعظام والجلد. بسبب هذه المتلازمة، تصبح الأنسجة أكثر مرونة من الطبيعي، مما يؤدي إلى تشوهات في الهيكل العظمي، مشاكل في القلب، وتمدد في الأوعية الدموية.
من أهم الأعضاء التي تتأثر:
- القلب: خصوصًا الشريان الأبهر.
- العيون: قد يحدث انزياح في العدسة أو مشكلات في الرؤية.
- العظام والمفاصل: مثل طول الأطراف والانحناء في العمود الفقري.
نبذة عن الشخص الذي سُميت عليه (أنطوان مارفان)
تمت تسمية المتلازمة على اسم أنطوان مارفان، طبيب أطفال فرنسي وصف الحالة لأول مرة في عام 1896 لدى فتاة كانت تعاني من ملامح جسدية غير معتادة. ومنذ ذلك الحين، تم التوسع في فهم الحالة وتصنيفها كاضطراب وراثي ناتج عن خلل جيني في بروتين يُسمى “فيبريلين-1” (Fibrillin-1).
تواصل معنا
ما أسباب متلازمة مارفان؟
العامل الوراثي المسبب
السبب الرئيسي في الإصابة بمتلازمة مارفان هو طفرة في الجين FBN1، الموجود على الكروموسوم 15. هذا الجين مسؤول عن إنتاج بروتين “فيبريلين-1″، وهو أساسي في بناء ودعم الأنسجة الضامة. عندما يكون هذا البروتين غير طبيعي، تصبح الأنسجة أكثر مرونة مما ينبغي، ما يؤدي إلى تغيرات في بنية القلب، العظام، العينين، والمفاصل.
دور الطفرات الجينية في الإصابة بالمتلازمة
حوالي 75% من الحالات موروثة من أحد الوالدين المصابين بالمتلازمة، بينما 25% من الحالات تحدث بسبب طفرة جديدة، أي أن الطفل يُولد بها رغم أن والديه غير مصابين. وهذا يعني أن المتلازمة يمكن أن تظهر في عائلة لم يكن لها سجل سابق بالحالة.
يُصنف هذا الاضطراب ضمن الأمراض الوراثية السائدة، مما يعني أن وجود نسخة واحدة من الجين المُصاب كافية للتسبب في الأعراض.
تواصل معنا
كيف تنتقل متلازمة مارفان بالوراثة؟
النمط الوراثي السائد
كما ذكرنا، متلازمة مارفان تُورّث وفق نمط وراثي سائد (Autosomal Dominant). هذا يعني أنه إذا كان أحد الأبوين مصابًا، فإن هناك فرصة بنسبة 50% أن يرث الطفل الجين المسبب للمرض.
النمط الوراثي السائد يجعل من السهل تتبع المرض عبر الأجيال، لكن مع ذلك، تظل الطفرات العشوائية سببًا رئيسيًا لعدد من الحالات.
احتمالية إصابة الأبناء عند إصابة أحد الوالدين
- إذا كان أحد الوالدين مصابًا: 50% احتمال إصابة الطفل.
- إذا لم يكن أي من الوالدين مصابًا: قد تكون طفرة جديدة (25% من الحالات).
لهذا السبب، يُنصح الأفراد المصابين باستشارة وراثية قبل اتخاذ قرار الإنجاب، لتقييم المخاطر المحتملة ومتابعة الحمل بحذر إن لزم الأمر.
ما هي أبرز أعراض متلازمة مارفان؟
أعراض في الجهاز العضلي والعظمي
- طول زائد في الأطراف والأصابع (ما يُعرف بـ”الأطراف العنكبوتية”)
- انحناء العمود الفقري (كالجنف أو الحدب)
- صدر غائر أو بارز
- زيادة مرونة المفاصل
- ضعيفة في العضلات والهيكل العظمي
مشاكل في القلب والأوعية الدموية
- تمدد الشريان الأبهر (Aortic aneurysm)، وهو أخطر الأعراض وأكثرها تهديدًا للحياة.
- ارتجاع الصمام الميترالي أو الأبهري
- خطر تمزق الشريان الأبهر
هذه المشاكل تتطلب متابعة طبية دقيقة، وأحيانًا تدخل جراحي لتجنب المضاعفات القاتلة.
تواصل معنا
علامات في العينين والجهاز التنفسي
- انزياح العدسة (Lens dislocation)
- قصر النظر الشديد
- خطر انفصال الشبكية
- مشاكل تنفسية بسبب تشوه القفص الصدري
ملامح الشخص المصاب بمتلازمة مارفان
الشخص المصاب غالبًا ما يتمتع بمظهر مميز يسهل التعرف عليه:
- جسم طويل ونحيف
- ذراعان وساقان أطول من المعتاد
- أصابع طويلة ورفيعة (العنكبوتية)
- صدر غير طبيعي (مقعر أو بارز)
- وجه ضيق، أنف طويل، وفك سفلي صغير
هذه الصفات تكون أكثر وضوحًا مع التقدم في العمر، لكنها ليست كافية وحدها للتشخيص بدون فحوص طبية دقيقة.