الإدمان النفسي يبدأ بصمت
عندما نسمع كلمة “إدمان”، يتبادر إلى الأذهان فورًا المخدرات أو الكحول. لكن الحقيقة أن الإدمان النفسي قد يبدأ من أماكن غير متوقعة، مثل ألعاب الفيديو، التسوق، مواقع التواصل الاجتماعي، أو حتى الأكل. هذه الأنشطة قد تبدأ كتسلية أو عادة يومية، ثم تتحول تدريجيًا إلى سلوك قهري يصعب التوقف عنه، ويُحدث خللًا في حياة الفرد. في هذا المقال، نكتشف ان الإدمان النفسي يبدأ بصمت، ولماذا يتحول من متعة إلى عبء يصعب التخلص منه.
تواصل معنا
ما هو الإدمان النفسي؟
الإدمان النفسي هو حالة تعتمد فيها النفس البشرية على سلوك معين لتحقيق الإشباع أو التخفيف من التوتر والفراغ، بحيث يُصبح هذا السلوك حاجة ملحّة متكررة تؤثر على حياة الفرد وصحته النفسية والجسدية.
يختلف عن الإدمان الجسدي (مثل إدمان المخدرات) في أنه لا يرتبط دائمًا بأعراض انسحاب جسدي، بل بأعراض نفسية وسلوكية مثل القلق، الغضب، أو الاكتئاب عند محاولة التوقف.
كيف يبدأ الإدمان؟ خطوات غير مرئية
الإدمان النفسي لا يحدث فجأة، بل يمر بمراحل متدرجة غالبًا ما تكون غير ملحوظة في البداية:
1. التجربة والفضول
يبدأ السلوك عادة كنوع من الفضول أو الهروب من الملل أو ضغط الحياة. كأن يلعب شخص لعبة إلكترونية لتسلية سريعة.
2. التكرار والارتياح
يُكرر الفرد السلوك ويشعر بالراحة أو النشوة. اللعب يُخفف القلق، التسوق يُشعره بالتحكم، أو تناول الكحول يُنسيه مشاكله.
3. الاعتماد
يبدأ الاعتماد النفسي على هذا السلوك، بحيث يُصبح هو الوسيلة الوحيدة للشعور بالراحة. ويبدأ الانسحاب من الأنشطة الأخرى تدريجيًا.
4. فقدان السيطرة
يتحول السلوك إلى إدمان عندما يعجز الشخص عن التوقف رغم وعيه بالأثر السلبي. هنا تظهر علامات الإدمان الحقيقية مثل الإنكار، العزلة، فقدان الاهتمام بالحياة.
تواصل معنا
أنواع الإدمان النفسي المنتشر
1. إدمان الألعاب الإلكترونية
يتعلق بالهروب من الواقع، التحكم بالنتائج، والإثارة الدائمة. ويؤثر على التركيز، النوم، والعلاقات الاجتماعية.
2. إدمان الكحول
يُستخدم للهروب من الألم النفسي، أو التوتر، لكنه يؤدي إلى اضطرابات مزاجية، وفقدان في السيطرة، وربما تطور إلى إدمان جسدي.
3. إدمان مواقع التواصل
البحث المستمر عن التفاعل، أو الإعجابات، يدفع الفرد لتكرار التصفح دون وعي، ويُسبب المقارنة، القلق، وتدني الثقة بالنفس.
4. إدمان التسوق أو الطعام
يُستخدم كآلية للهروب من الفراغ أو القلق، لكنه يخلّف شعورًا بالذنب أو الفراغ لاحقًا، ما يعزز دائرة الإدمان.
تواصل معنا
لماذا يتحول السلوك الطبيعي إلى إدمان؟
السبب الرئيسي هو ارتباط السلوك بمراكز المكافأة في الدماغ. فعند ممارسة السلوك “المُمتع”، يُفرز الدماغ مواد مثل الدوبامين التي تُعطي شعورًا مؤقتًا بالسعادة. ومع التكرار، يبحث العقل عن هذا الشعور مرارًا، ويتعود عليه.
لكن مع الوقت، يحتاج الشخص إلى وقت أطول أو جرعة أكبر من السلوك لنفس التأثير، وهنا يبدأ الإدمان: تكرار بلا إشباع حقيقي.
كما أن عوامل مثل:
- الفراغ العاطفي
- الصدمات النفسية
- القلق والاكتئاب
- ضعف المهارات الاجتماعية
تلعب دورًا كبيرًا في جعل الإنسان أكثر عرضة للإدمان النفسي.
أعراض الإدمان النفسي
من العلامات التي قد تشير إلى بداية أو وجود إدمان نفسي:
- قضاء وقت مفرط في السلوك دون إدراك
- الشعور بالضيق أو التوتر عند التوقف
- فقدان الاهتمام بالأنشطة اليومية
- إهمال العمل أو الدراسة
- الإنكار أو الدفاع المبالغ فيه عن السلوك
- التهرب من العلاقات أو الواجبات الاجتماعية
تواصل معنا
هل الإدمان النفسي أخطر من الجسدي؟
رغم أن الإدمان الجسدي يُظهر أعراضًا صحية خطيرة بسرعة، إلا أن الإدمان النفسي أكثر خفاءً، وأحيانًا أكثر تدميرًا، لأنه:
- لا يُلاحظ في البداية
- يُقبل اجتماعيًا أحيانًا (مثل الإفراط في العمل)
- يُصعب على المصاب الاعتراف به
- قد يُمهّد لإدمانات أخرى جسدية
ولهذا يُعد علاجه تحديًا أكبر في كثير من الحالات.
كيف يمكن الوقاية من الإدمان النفسي؟
1. الوعي الذاتي
مراقبة النفس، والانتباه لتكرار السلوك وتأثيره على باقي جوانب الحياة.
2. بناء بدائل صحية
مثل ممارسة الرياضة، العلاقات الاجتماعية، أو الهوايات المفيدة التي تُفرغ التوتر دون الإضرار بالنفس.
3. تقوية الدعم النفسي
التحدث مع الأصدقاء، طلب الاستشارة عند الشعور بالضيق، والانخراط في مجتمعات إيجابية.
4. وضع حدود للسلوكيات اليومية
كأن يُحدد الشخص وقتًا معينًا لاستخدام الإنترنت، أو ميزانية ثابتة للتسوق.
متى يجب طلب المساعدة؟
- إذا لم ينجح الفرد في تقليل السلوك رغم محاولاته
- إذا تسبب الإدمان في مشكلات مهنية أو أسرية
- إذا رافق السلوك مشاعر اكتئاب أو أفكار انتحارية
- إذا أصبح السلوك هو الوسيلة الوحيدة للشعور بالراحة
في هذه الحالة، يجب مراجعة أخصائي نفسي، لأن العلاج السلوكي المعرفي (CBT) من أكثر الأساليب نجاحًا في علاج الإدمان النفسي، إضافة إلى دعم الأدوية في بعض الحالات.
تواصل معنا
من الرفاهية إلى القيود
الإدمان النفسي يبدأ غالبًا بسلوك يبدو بريئًا، بل وممتعًا، لكنه يتسلل بهدوء إلى الحياة حتى يُقيّدها. الخط الفاصل بين العادة والإدمان هو التأثير السلبي وفقدان السيطرة. لذا، فإن وعي الفرد بسلوكه، وتقبله لطلب المساعدة، هو أول خطوة نحو التحرر من دائرة الإدمان.
لا عيب في أن تسقط، لكن العيب أن تبقى في السقوط وأنت قادر على الوقوف.